متى يُعاد النظر فى قضية سليمان خاطر؟..
هل يمكن أن يأتى وقت نشاهد فيه محاكمة قاتلى سليمان خاطر؟
لو كان عملاء الموساد هم قاتلوه، فكيف توصلوا إليه داخل سجنه؟
ما هى مسئولية آمرى السجن والقائمين على شئونه؟
هل انتحر فعلاً فى مستشفى السجن الحربى، وهل صحيح أنه حاول الانتحار فى مكان الواقعة التى حوكم بسببها كما ورد فى التحقيقات؟
ما هى دوافع الإدعاء الرسمى المتهافت بانتحاره؟
ولماذا لم يُمكَّن نواب المعارضة فى البرلمان من فرض قضية سليمان خاطر على مجلس الشعب؟
وحينما سارع محامو أسرة سليمان خاطر برفع دعوى إثبات حالة مستعجلة لإعادة تشريح الجثة، لماذا استماتت الحكومة لمنع إعادة التشريح؟
مصر كلها لم تصدق مسألة الانتحار هذه، واشتعلت مشاعر المصريين فور مصرعه فى مستشفى السجن الحربى.
بورسعيد صارت جمرة من الغضب المتقد.
تفجرت فى المدينة، ذات الإرث النضالى المعروفة به، طاقات أعضاء حزب التجمع ففجرت المشاعر الوطنية لدى المواطينين من مختلف الفئات والأعمار.. جمعنا التوقيعات، نشرنا اللافتات، أعددنا المسيرات ونشرنا الحقائق؛ وصار المواطنون يتهافتون على مقار الحزب ببورسعيد ـ وبغيرها ـ مطالبين بأعداد جريدة الأهالى ـ سريعة النفاد ـ بأى سعر وبأعلى ثمن لأنها كانت تتابع القضية عن كثب.
كذلك كان الأمر حماسيًا فى حزب العمل (وقت أن كان مقره ملحقـًا بالجامع التوفيقى ).
مفتش مباحث أمن الدولة اللواء محمد سامى خضير اشتكانا نحن أعضاء حزب التجمع وهددنا. أرسل إلينا ضباطه، وجاءنا بنفسه، ولما لم يجد أية استجابة أيقظ خالد محى الدين فى عز الليل، وكان بأسوان، ليسيطر على الموقف فى بورسعيد..
ما كانت تشهده بورسعيد شهدته سائر عواصم المحافظات ومراكزها وقراها، فمن هو سليمان خاطر؟
هو سليمان محمد عبد الحميد خاطر. المولود فى قرية أكياد ـ مركز فاقوس ـ محافظة الشرقية فى العام 1961م. التحق بالخدمة العسكرية فى وزارة الداخلية بقوات الأمن المركزى؛ وحدث قبل غروب شمس يوم 5 أكتوبر من عام 1985م. أثناء نوبة الحراسة المعتادة بالنقطة 46 بمنطقة رأس بركة بين نويبع وطابا بجنوب سيناء أن فوجئ الرقيب سليمان خاطر بمجموعة من الإسرائيليين تتسلق الهضبة التى تقع عليها نقطة حراسته، فحاول منعهم وصاح بهم بالإنجليزية، حسبما ورد فى التحقيقات، "Stop..No Passing"، أى"قفوا .. ممنوع المرور"، إلا أنهم لم يلتزموا وواصلوا الصعود واقتربوا من نقطة الحراسة الموجودة بها أجهزة وأسلحة خاصة فأطلق عليهم الرصاص، ليلقى 7 إسرائيليين مصرعهم ويصاب 5 آخرون.
سلم سليمان نفسه بعد الحادث، فأصدر مبارك قرارًا جمهوريًا حمل رقم 380 لسنة 1985م. بإحالته إلى القضاء العسكرى مرتكزًا على قانون الطوارئ،وفى هذا سلب لحقه فى المثول أمام محكمة مدنيه لكونه شرطيًا، وليس مجندًا بالقوات المسلحة، فضلاً عن أنه كان يؤدى عملاً مكلفـًا به؛ وحوكم سليمان محاكمة عسكرية سرية، ظلت حكومة تل أبيب أثناءها تردد وتذيع أنها لن تبدأ مفاوضاتها بشأن طابا قبل تقديم ضمانات إعدام المتهم.
وكم كان الحكم ظالمًا وقاسيًا.. الحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عامًا..
القضاء العسكرى المصرى يحكم على رقيب الشرطة المصرى، بسبب قتله لـ 7 من الإسرائيليين بهذه العقوبة المؤلمة، بينما شارون الإسرائيلى الذى ثبت بكل دليل دامغ قتله لـ3000 برئ فى صابرا وشاتيلا ظل وزيرًا فى الحكومة الإسرائيلية.
كانت الأجواء قد اشتعلت قبل النطق بالحكم، وتشكلت لجنة قومية للدفاع عن سليمان خاطر، ضمت عددًا لا يستهان به من قادة الأحزاب والقوى السياسية والنقابية، وأصدرت بيانـًا وجهته إلى رئيس الجمهورية انفردت بنشره فى صدر صفحتها الأولى جريدة الأهالى الصادرة عن حزب التجمع، وفتحت الجريدة الباب أمام حملة توقيعات شعبية من أجل تحويل سليمان خاطر إلى القضاء العادى؛ ولاقت الحملة استجابة شعبية جارفة؛ فوقع على البيان عدد هائل من المواطنين فى مقدمتهم: خالد محيى الدين رئيس حزب التجمع، إبراهيم شكري رئيس حزب العمل، عمر التلمسانى المرشد العام للإخوان المسلمين، زكريا البرى وزير الأوقاف السابق، الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية الأسبق، محمد عبد العزيز وكيل وزارة الثقافة آنذاك، د. يحيى الجمل وزير سابق، محمد إبراهيم كامل وزير الخارجيةالأسبق، الشيخ أحمد المحلاوى، محمد فائق وزير الإعلام الأسبق، خالد جمال عبد الناصر وغيرهم كثيرون، منهم قضاة وكتاب وصحفيون وفنانون وعسكريون، وأرسلت لجنة الدفاع عن سليمان خاطر هذه التوقيعات إلى رئيس الجمهورية قبل جلسة النطق بخمسة أيام.
وكان يوم 19 ديسمبر1985م. قد شهد عقد مؤتمر سياسى جماهيرى فى سرادق أمام مقر حزب العمل بالسيدة زينب للتضامن مع سليمان خاطر حضره: خالد محيى الدين، نبيل الهلالى، ضياء الدين داوود، حمدين الصباحى، إبراهيم شكرى، محمد عبد السلام الزيات،عمر التلمسانى، صلاح أبو إسماعيل،عصام الدين العريان، والفريق محمد فوزي، وأمين هويدى وجماهير غفيرة من الحزبيين المعارضين وغير الحزبيين.
فى المقابل شنت الصحف المسماة بالقومية حملة شعواء لمواجهة هذا الاحتشاد الشعبى والدفاع عن موقف السلطة السياسية.
وفوجئ الشعب ببيان رسمى صدر عن إدارة السجن الحربى يوم 7 يناير 1986م. جاء فيه أنه بالمرور اليومى للحراس على الرقيب المسجون سليمان خاطر المحكوم عليه فى القضية رقم143/ 85 جنايات عسكرية – السويس وجد معلقا من رقبته ـ بمشمع الفراش الخاص به ـ بالقضبان الحديدية بشباك غرفته بمستشفى السجن؛ وأكدت الصحف القومية الخبر قبل انتهاء التشريح(!).. ولما طالب محامو أسرة سليمان القضاء العسكرى العالى بإثبات حالة مستعجلة لإعادة تشريح الجثة، استماتت الحكومة كى لا يحدث هذا، وتحقق لها ما أرادت..
وقامت الدنيا فى مصرنا آنذاك.
فهل يوجد ما يمنع من إعادة النظر فى القضية برمتها؟..
على الحقوقيين يقع عبء الإجابة.