جمعتنى مناقشة ساخنة وحادة مع شقيقى الأكبر حول مصير اللجنة التأسيسية والتشويش والإضطراب الذى شاب صياغة مسودة الدستور الأخيرة ، والى أى مدى تدخل الغرض ـ وهو المرض بعينه ـ فى صياغة بعض النصوص التى تتعلق بنظام الحكم ووضع المرأة والأطفال والمعاقين وخلافه من النقاط الخلافية التى إحتدم حولها الجدل مؤخراً .
ففوجئت بشقيقى الذى لا أشك على وجه الإطلاق فى ثقافته وإستنارته ووطنيته يبدأ فى تصنيفى أنا وشقيقى الأخر ( المبدع دكتور آلة العود ) ضمن تلك الفئة متزعزعة الإيمان ضعيفة التمسك بدينها التى ترفض وتعترض للإعتراض وحسب ، وتصيبها حساسية مفرطة من عبارة الشريعة الإسلامية وترفضها أينما كانت ، وانه ينضم إلى السواد الأعظم والأعم من المصريين ( العاديين البسطاء ) الذين لايعنيهم مايشغل النخب المثقفة ودعاة حقوق الإنسان والفنانين والمبدعين من هواجس وأضغاث تتعلق بالحريات ، لأنهم يريدون دستوراً محتشماً وعفيفاً وطاهراً يطبق شرع الله ويرفع راية الإيمان ويقلص مساحات الإبتذال والمجون والعرى فى هذا المجتمع الذى فقد صوابه وعذريته !
أدركت فى صخب وألم هذا النقاش المنفعل إننا إزاء ظاهرة مبتكرة شديدة الخطورة والإنتشار ، ألا وهى ظاهرة اوصفها ـ إن جاز لى التعبيرـ بالتكفير الناعم ، الذى لا يتطلب أن يصرخ أحدهم بلحيته ووجهه العبوس وقلبه الفظ ويمطر وجهك بلعابه المتناثر ، ليصفك بالكفر والإرتداد والكره لشرع الله تمهيداً لإهدار دمك وتفريقك عن زوجتك ، بل يكفى ـ وبيسر ـ أن يصنفك أحدهم ضمن هذه الفئة التى لاترضى بحكم الجماعة وترفض مسودة الدستور لأغراض حقوقية مريبة ، وتحتكم إلى نصوص وصياغات تشريعية غربية أبعد ماتكون عن شريعتنا الإسلامية الغراء ، وتريد مجتمعاً منفتحاً على الغرب الكافر يسمح بالحريات المطلقة التى تتعارض مع مبادئنا وقيمنا وتعاليم وسنة نبينا عليه افضل الصلوات وأتم السلام !
ادركت مع حديث أخى الذى أوقره وأرفعه تاجاً فوق رأسى ، أن الشقاق قد نال الأشقاء ، وان الفتنة لم تعد نائمة فى مرقدها بل أن ثمة جماعات تلهو وتتاجر بالدين إبتغاء وجه السياسة والنفوذ والسلطة قد أيقظتها وأطلقتها فزاعة بين أبناء الرحم الواحد . وكأننا شعب غارق لقرون طويلة فى الكفر والجاهلية والمجون قام شبابه بثورته المسلوبة ليتنظر جيوش الفتح الإسلامى تدخل بخيولها لتنشر الإسلام فى ربوع الوطن وتقضى على العلمانيين والليبراليين وتحكم بما انزل الله تعالى .
نعم نريده دستوراً يصون الحريات ويحترم اختلاف العقيدة ويجذر الحقوق ويوضح الواجبات ويصوغ ضمانات واقعية للمواطنة ويقلص السلطات المطلقة للرئيس ، دستوراً لايخلق إلهاً أو فرعوناً فى ثياب رئيس . فليس هناك دستور محتشم وأخرغير محتشم ، لايوجد دستوراً مؤمن وأخر كافر ومهرطق .. بل توجد دساتير تنهض بالإنسانية وأخرى تهدمها وتتاجر بمعاناتها وأديانها . الدساتير والتشريعات مثلها مثل الرسالات السماوية فى الهدف والبغية ، تعين الإنسان على الحياة وتساعده على التحقق والنهضة والتطور والإبداع ، لا أن تعيقه وتكبله بسياج يتوهم البعض إنها مقتضيات شرعية . فالأديان والعقائد مكانها فى الكتب السماوية وفى قلوب ووعى العباد ومعاملاتهم وعباداتهم لايلزمها دستور كى ينشئها أو يحميها أو يسلطها سيفاً مسلولاً على المعارضين أو المختلفين فى العقيدة أوالرأى .
وليس من الإسلام فى شئ ان نبحث عن موضة جديدة للتكفير لننعت به معارضينا وخصومنا بنعومة وشياكة ولياقة أكثر ، وأن نصنفهم وفقاً لتصوارتنا الذهنية عنهم ، لأننا جميعاً فى صخب معركة كتابة دستور الثورة يجب أن نلتف ونتوافق ونتشارك لوضع أكبر ضمانات ممكنة للحقوق والحريات والمواطنة والعدالة الإجتماعية ، لا أن نواجه من يبحثون عنها وعن خلاصنا من الفاشية الدينية والعسكرية بمزيد من التكفير الناعم .