مارت جوانح بورسعيد بالثورة فخرجت كل تياراتها السياسية تفجر غضبها بوجه النظام المستبد الفاسد الذي ران على قلب الوطن عامة وبورسعيد خاصة عقوداً طوالا.. ومنذ اليوم الأول (بل و الساعة الأولى) للثورة خرجت جماعات النشاط السياسي و الإجتماعي مثل 6 أبريل و كلنا خالد سعيد و كفاية يداَ بيد مع الأحزاب الموجودة على الساحة البورسعيدية عندئذ وهي التجمع العربي الناصري والعمل الاشتراكي والوفد والغد (غد الثورة فيما بعد) ولم تكن حينها أحزاب الثورة قد ظهرت بعد، واستمر طوفان الرفض الثوري فى يومي 25 يناير و 27 يناير إلى أن وصل مداه الأكبر يوم 28 يناير 2011 (جمعة الغضب) حيث شاركت باقي القوى الحزبية والثورية في مد تيار الثورة بروافد جديدة ضخت المزيد من القوة والحياة في شرايين الغضب، وقد تميزت حركة الثورة في بورسعيد طوال شهر يناير وحتى مرور النصف الأول من فبراير بوحدة العمل الثوري والاتفاق شبه التلقائي على خطوات التصعيد المحددة لاستكمال مسيرة هدم النظام السابق وأذنابه في بورسعيد، ومع بشائر زوال وجه النظام القبيح من صفحة السياسة المصرية اعتباراً من 11 فبراير، بدأت تداعيات جديدة تسود المشهد السياسي في بورسعيد، وأخذت رؤى قوى الثورة تتعدد و تتنوع، فخرج بعضها من مسيرة الثورة وترك آليات التغيير لقوى أخرى كانت قد استشعرت الخوف على مصير الثورة ودارت برؤسها هواجس الحذر من انتصار قوى الثورة المضادة التي استباحت عرض مصر طويلاً، فلم تترك ساحات التظاهر ولا ميادين الاعتصام مثل أحزاب التجمع والعربي الناصري والعمل الاشتراكي وحركات 6 أبريل وكفاية وائتلافات الثورة الجديدة، ورغم أن معالم دولة القهر قد زالت سريعاً إلا أن بقاياها وذيولها ظلت متخللة مفاصل الدولة ومعالم النظام الجديد، لذا أقبلت تلك القوى على تكوين أشكال جديدة من التحالفات وصورالتجبيه، بدا بعضها فاعلاً على الساحة، وبعضها الآخر مجرد تحالف على الورق فقط، فماذا حدث في بورسعيد فور تحقق النجاح الجزئي للثورة؟
قامت أحزاب التجمع، الغد، العمل الاشتراكي، والحزب العربي الناصري مع ائتلاف شباب الثورة وائتلاف مثقفى بورسعيد من أجل التغيير بالاجتماع في مقر الائتلاف بحديقة مسلة الشهداء، وكان أول أعمالها التصدي لموكب المحافظ – وكان معيناً حديثاً بالمدينة – وإجباره على النزول من سيارته لمقابلة ممثلي هذه القوى، وحصلت منه على وعد بالنظر في الطلبات التي رفعها المتظاهرون لصالح المدينة وتحديد موعد لمقابلتهم لمتابعة أولويات ترتيب تلك المطالب وسبل تنفيذها، وخلال لقائين متتاليين استجاب المحافظ لبعض هذه المطالب وعلى رأسها البدء بعودة الأمن والتنسيق بين الشرطة والقوات المسلحة ونشر حملات النظافة ليعود للمدينة وجهها الجميل، لكن بالتدريج المعتاد أخذ عقد هذه الجبهة القوية ينفرط، ولم تعد له قوة تُذكر الآن، ثم جاءت مرحلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية و سيطرت التيارات الدينية {اخواناً وسلفيين} على مجلس الشعب والشورى وعلى مقعد الرئاسة في انتخابات لا شك في نزاهتها ببورسعيد، فأقدمت أحزاب الحرية والعدالة والنور والغد "غد الثورة" والعمل الاشتراكي والأحرار والنيل وحركات ائتلاف شباب الثورة و آخرون للتنسيق فيما بينهم لتحقيق مطالب الشعب ومصالحه مع متابعة الأجهزة التنفيذية ومحافظ بورسعيد – خاصة انه كان قد قدم حديثاً للمدينة – اللواء أحمد عبد الله مكونة ما أسموه الهيئة العليا للقوى السياسية وقامت الهيئة بعمل بعض الاستطلاعات لتحديد أولويات سُبل اصلاح الأوضاع الداخلية لعرضها على المحافظ والأجهزة التنفيذية، في حين قامت أحزاب العربي الناصري والتجمع والاشتراكيين الثوريين وبعض قوى التيارات اليسارية بالانضمام لحركة التيار الشعبي المصري الذي قاده وأعلن عنه حمدين صباحي أثناء زيارته للمحافظة، بينما بدأ محافظ بورسعيد في تحقيق مطالب القوى الشعبية خاصة الأمن والاستمرار في تنفيذ مشروعات الاسكان الشعبي – مثل القضاء على الحي العشوائي الأشهر بالمدينة و هو حي زرزارة – لكن كلُ خير يبدأ في الوطن قوياً ينتهي ضعيفاً، بدأت قوة تأثير هذه الهيئة على الأجهزة التنفيذية في التضاؤل، وبدأ التراخي ينتاب بعض أعضائها بالحضور والالتزام بتقديم الدراسات والبحوث المتعلقة بمشكلات المحافظة يقل شيئاً فشيئاً، إذ بدأ غياب أعضاء مجلس الشعب والشورى وأمناء وقيادات أعضاء هذه الهيئة يتكرر وأخذت كل قوة سياسية وحزبية تهتم بمسيرتها الحزبية الخاصة حتى تكاد تلك الهيئة تتلاشى رغم استمرار الظروف التي دعت لإنشائها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، حيث يقوم الآن حزب التجمع تحت قيادة البرلماني المعارض المعروف البدري فرغلي ومعه قيادات حزبه التاريخيين ببورسعيد مثل قاسم عليوة ونجيب سليمان وآخرون باستجماع قواه لينشط بين جماعات العمال والمثقفين كما بدأ الحزب العربي الديمقراطي الناصري بقيادة الناشط المحامي ياسر حسن ومعه القيادات الناصرية المعروفة مثل عبد السلام الألفي والسيد رضوان وآخرون في وضع خطة طويلة المدى للتواصل مع القوى الاشتراكية والفاعلة في الساحة بالإضافة لقيام حزب الكرامة بقيادة الناشط عادل بكري ومعاونه أشرف أحمد وعبد الفتاح البيه وآخرون بالانتشار بين جماهير بورسعيد و التنسيق مع الأحزاب المقاربة، وقد قام حزب الاشتراكيين الثوريين – وهو من أحزاب ما بعد الثورة – وكذلك حزب الدستور – بافتتاح مقر لأول مرة لكل منهما فى بورسعيدا ويجاهد حزب الأحرار المصريين على الساحة البورسعيدية شيئاً فشيئاً للتواصل مع القوى السياسية ويبقى على الساحة أقدم الأحزاب طراً على صعيد العمل الجماهيري، بعد – التجمع – وأقصد حزبي العمل الاشتراكي والوفد الجديد وكلاهما لم يتوقف عن النشاط الحزبي أو الاجتماعي طوال ربع القرن الماضي بل وأخذت جماهيرهما في التزايد، ثم نختتم تلك الاطلالة على المشهد السياسي في بورسعيد بأكبر حزبين عدداً وعدة – رغم كونهما من أحزاب ما بعد الثورة – وهما الحرية و العدالة {الذراع السياسية لجماعة الاخوان}، والنور {الذراع السياسية للجماعة السلفية} بجماهيرهم الثابتة قاعدياً إلى حد ما وهذان الحزبان لهما أسلوبهما الخاص في العمل الدعوي والجماهيري مع جدتهما على ميدان العمل السياسي إلا أن بهما بعض الأسماء المشهورة سياسياً وخدمياً مثل الدكتور أكرم الشاعر والمهندس جمال هيبة وتبقى الساحة البورسعيدية السياسية في حاجة شديدة للعمل الجماهيري الجبهوي للمرحلة الحالية مؤقتاً لكن الكثيرين لا يدركون أهمية العمل الائتلافي إلا بعد فوات الأوان.
فيا أيها الذين في الوطن تعالوا إلى كلمة سواء.