مصر التى حملت فى طيات تربتها الخصيبة و في وجدانات شعبها العريق بذور الحضارة و أفاءت على العالمين ثمرات الاستنارة و بقيت على مدار العصور و الأحقاب معلما بارزا و منارة عن استحقاق و جدارة لان الروح المصرى بقى دائما زاخرا بقوى تجمع ما بين الابداع بقواه الخلاقة و الاصالة ذات العمق الفكري المتجذر في التاريخ و الوعى الانسانى.
تراكمات التجدد الحضارى فى مصر تالفت من المكان و الزمان و الانسان و كان اطارها الاستقرار و الاستمرار . و حتى فى اوقات انقطاع المسيرة لم يتوقف التراكم عن التشرنق الظاهرى لكن تبلوره بقى راسخا فى طبقات الذات المصرية بتماسك و صلابة و مثابرة عضية على التحليل لان معدن الهوية المصرية التى ابدعت الاهرام المنيفة كان و بقى اصلب منها . و ليس ادل على ذلك من استقامة هذا الوطن العبقرى لاكثر من سبعين قرنا بفذاذة تفروه و سلامة جوهره و رفضه الدائم للخضوع لعوامل التعرية الحضارية.
و ليس اروع فى هذا الصدد من حديث الرسول الكريم لتشخيص بنية الذات المصرية فى حديثه الذى قال فيه ( اذا فتحت عليكم مصر فاتخذوا من اهلها جندا كثيفا فانهم خير اجناد الارض و انهم فى رباط الى يوم القيامة) و الرباط مبنى و معنى لا يكون الا لمن يملكون رباطة الجأش و صلادة الغرم و صلابة العزيمة . و حين ذكر القران خصائص الامن و الامان فى ربوع مصر ( ادخلو مصر ان شاء الله امنين ) فان عنصر اخر اضيف الى ذلك فى الانجيل بنصه ( بورك شعب مصر ) بما يعنى الدعاء بالخير و البركة . فكما كانت مصر ينبوعا فياضا للحضارة بمركباتها المتعددة فانها ظلت مثل مجرى نيلها تتطما بالاستنارة بوفرة و غزارة.
مصر فى موازيين حقائق التكوينات الحضارية العالمية هى رمانة الميزان التى افرد لها العالم قاطبة مكانا تمليا فى أسفار تاريخه و مكونات ادراكه و فى متاحف اعجابه و اشاداته. فهى على سبيل الاستشهاد التمثيلى ليس غير تشبه طائر العنقاء التى تتجدد دورات حياتها كلما مر بها ما يعرقل مسار هذة الحياة بما يثير الدهشة و الانتباه و الاعجاب .
العناصر و المكونات التى أثرت الحضارة و أغنت الشخصية المصريتين فصارا معا وحدة واحدة عصية على الانفصام فما بين الكاهن المعلم و المهندس البناء و العامل المشيد و الفلاح الفصيح و المراة المربية تحولت هذة الخلطة الى مزيج متناغم و متناسق يرسم للشخصية المصرية صورتها محبوكة النسيج بنضارة مركباتها . و مرد ذلك فى بعض جوانبه الى الطبيعة التى اتسمت ببساطتها التى يشوبها التعقيد الطبوجرافى و الطقس الذى لا يعرف الفوارق الحادة ما بين الفصول و سطوع الشمس على الدوام.
وجدانيات النسيج النفسى و العقلى و الطابع المسالم للشخصية المصرية هى التى قادت الفرعون اخناتون الى التأملات العقلية التى تجلت فى عقيدة التوحيد و تركت تراث جعل الدين فى ضمائر المصريين تعلو على اى شك و طبعت هذة الشخصية بالميل الدائم الى تبنى الوسطية و الاهتمام بما ينتج عنها من دماثة و رحابة أفق و توازن فى الخيارات . فكما ابتدع المصريون فنون التحنيط و الوان الرسومات على جدران المعابد و هى فنون مازال العالم يقف مشدوها امام اسرارها التى لم تكشف حتى الان فان تكنولوجيا بناء الاهرامات و صناعة المسلات و نحت التماثيل العملاقة كلها جميعا تقدم اولة ناصعة الابهار على ان الحضارة المصرية هى هبة عقل و وجدان المصريين بقدراتهم و تدبيراتهم فائقة العبقرية .
السؤال الجوهرى الذى يلوح الان بإلحاح على الافق هو هل ستجتاز مصر الشدائد و الصعوبات التى تمر بها بعد ثورة 25 يناير 2011 الاجابة ستأتي واضحة حين نستشير تاريخنا العريق و نجلو ماران قليلا على الشخصية المصرية بمحتواها العديد و عمرها المديد فتاريخ العالم خير شاهد على ذلك و تاريخ منطقتنا اوضح دليل على ان مصر يتكون اسمها من اعرق ثلاثة هى الميم (المنعة) و الصاد(الصبر) و الراء ( الرفعة) و هذة مجتمعة هى خصائص الشخصية الحضارية المصرية . دعونا نتطلع الى مستقبل زاهر لمصر فالمستقبل ينبغى ان يصنع الان بحكمة و رصانة
( سمير معوض)
مفكر بورسعيدى مصرى