لأسباب طارئة لم أتمكن من حضور مؤتمر المعارضة الذى انعقد يوم الخميس 20 ديسمبر الحالى ببورسعيد. المؤتمر الذى ناقش قضية الدستور. لو حضرت لأضفت إلى الأسباب العديدة التى سقتها قبلا، وتدعو إلى رفض مشروع الدستور، سببا لم يتطرق إليه أحد من قبل. هذا السبب متعلق بقناة السويس، فالدستور لم يُلزم الدولة بحماية قناة السويس (نيل نهر المالح) من البيع والتأجير وإبرام عقود الامتياز ومنح حقوق الانتفاع، ولم يحتم الدفاع عنها ومنع الاعتداء عليها وتنميتها وتطويرها وعدم التفريط فيها وفى إدارتها بأية صورة من الصور. هذه القناة المملوكة لمصر بشكل كامل، المصرية الخالصة، تجاهلها واضعو مواد الدستور، مما يمنح الشك فيما يدبر لهذه القناة قدرا هائلا من الشرعية.
لقد عامل الدستور المطروح للاستفتاء قناة السويس بطريقة لا تعادل تضحيات المصريين فى كل مرحلة من مراحلها حفرا وتشغيلا وحروبا وإدارة. عاملها هذا الدستور، دون ذكر لاسمها ـ حتى ـ معاملة هى إلى التجاهل أقرب، وساوى بينها، دون ذكر لاسمها ـ كذلك ـ وبين أى شاطئ بحر أو بحيرة أو رياح أو ترعة أو قناية (مادة رقم 20)!.
إن مفردة "حماية" الواردة فى هذه المادة تحتمل تأويلات كثيرة فقد تكون الحماية بيئية، أو إدارية، أو قانونية.. والنص مميع وليس بالحسم الوارد فى المادة السابقة عليها، تلك المتصلة بنهر النيل.. نهر النيل العظيم يستأهل منع الاعتداء عليه، كما ورد فى المادة (19)، وقناة السويس أيضا تستحق أن تعامل نفس المعاملة. لذا كان يتعين على واضعى الدستور إفراد مادة لقناة السويس لتردع أى محاولة للبيع أو التأجير أو إبرام عقود امتياز أو منح حقوق انتفاع للغير، فالإغراءات كثيرة ولا يوجد بالدستور ما يمنع الخضوع لها.
ومادام نهر النيل الحيوى قد خُص فى الدستور المقترح بمادة حاسمة تفرض حمايته وعدم الاعتداء عليه، كان ينبغى أن تعامل قناة السويس نفس المعاملة، فهى أيضا نهر حياة لمصر وللمصريين، ولا يصح أن يعامل هذا النهر (المالح) بهده المعاملة البائسة.
ألا يُبقى هذا الوضع الدستورى على القلق الذى طالما ساور المصريين حيال مستقبل قناة السويس فى ظل دستور عام 1971م.؟.. ألن يعيد هذا التجاهل ظهور محاولات البيع والتأجير وإبرام عقود الامتياز للأجانب من جديد؟
مصر تعيش أزمة اقتصادية أقل ما توصف به أنها طاحنة.. أزمة من غير المتوقع الخروج منها فى الأمد القريب، وتزيدها تضخما القلاقل والتوترات الأمنية والسياسية المتصاعدة، وحالة الانشقاق التى شطرت المجتمع المصرى ونتمنى أن تكون عارضة. نذر الخطر تواصل دويها فى الدوائر المالية والاقتصادية، وما تشهده دائرتا بورصة الأوراق المالية والبنك المركزى المصرى خير دليل على مصداقية هذه النذر، وما الضجيج المصاحب لمحاولات تعويم الجنيه المصرى عن أسماعنا ببعيد، فما هو الحال إذن لدى المتخصصين؟.. وهل نسينا ما آلت إليه البلاد فى عهد الخديو إسماعيل وكيف أفقدها الدين الخارجى استقلالها؟.. هل ننسى كذلك محاولات الغرب الأوربى السيطرة على مقدرات البلاد حينما حاول عبد الناصر الحصول على قرض مالى خارجى لتمويل بناء السد العالى وردود أفعالهم العنيفة حينما رفض المساس باستقلال القرار المصرى؟
إن قناة السويس هى مطمع الدائنين الخارجيين، وتحضرنى الآن تصريحات الناشط السياسى المعروف المهندس ممدوح حمزة التى نشرتها له جريدة الوفد فى السابع من يوليو الماضى، تلك التى قال فيها أن قناة السويس مرهونة لجهات تمويلية كبرى مقابل منح مصر قروضا فى العام 2008م. وقبل ممدوح حمزة وبعده أثار كثيرون نفس القضية، ومنهم من ربط بينها وبين صكوك الملكية التى طرحت الحكومة آنذاك فكرتها وقالوا بأنها ما طرحت إلا للتغطية على ما حيك لقناة السويس. وأتذكر تصريحا للمهندس حسب الله الكفراوى وزير الإسكان السابق، ذلك الذى نسب فيه إلى قيادى بارز شهير بجماعة الأخوان المسلمين عرضا قدمه للحكومة القطرية للحصول على حق انتفاع قناة السويس لمدة 99 سنة(!)
لقد اعتمد مطلقو هذه التصريحات وناشروها على فيديو لرئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، يسجل له قوله إنه فى حالة أى خطر يهدد قناة السويس فإنه سوف يطرح هذا التهديد على ملاك القناة. ولأنه لم يحدد هوية هؤلاء الملاك، أو يذكرأنهم هم الشعب المصرى، فقد استدلوا على أن للقناة ملاكا غير جموع المصريين.
وأيا كانت درجة مصداقية هذه التصريحات، وبغض النظر عن كونها معبرة عن حقيقة أو هى مجرد شائعات، فإنها بالصورة التى تتكرر بها تعكس مدى القلق المستشرى فى مصر حيال القناة ومستقبلها، والتصريحات النافية لا تكفى، فالخطر يبقى قائما ما لم يتضمن الدستور نصا واضحا صريحا حاسما يقطع دابر أية محاولة للتصرف فى قناة السويس بما يهدد ملكية وإدارة مصر لها.
قاسم مسعد عليوة