الظهور الملحوظ ـ بل المنظم ـ للبلطجية، ذلك المصحوب بتراجع مقصود لقوات الشرطة، منذ جمعة الغضب 28 يناير 2011م. أضعف الأمل فى عودةالأمن، وضاعف من مشاعر القلق والتشاؤم، وأسلم بورسعيد، وعواصم وقرى مصر بأسرها، ليد الفوضى.
إن تواتر أحداث القتل والاختطاف والسرقة والاشتباكات المسلحة والفوضى المرورية والاستيلاء على أراضى الدولة، والهجوم على الثوار والكنائس،كلها أمور تدل على استمرار الانهيار الأمنى فى بورسعيد، ولعل فى سقوط أربعة قتلى فىالأيام الأربعة الأخيرة بخلاف حالات الإصابة الخطرة. إن القتلى الذين روت دماؤهم أسفلت محافظة بورسعيد على مدى عامين ونصف العام لدليل على استمرار هذا الانهيار، بل تصاعده.
نعم إن الموروث عبر ثلاثين عامًا من كبت وازدراء وتهميش وفشل تعليمى، وانتفاء للعدالة وأزمات اقتصادية وأخلاقية مستحكمة، كان سببًا رئيسًا وراء ظاهرة الانفلات الأمنى بالمدينة، وبمصركلها، كذلك الانغمار بفيوض من الأسلحة الثقيلة والخفيفة المهربة عبر الحدود ومن خلال الموانىء بواسطة الناتو وتركيا وممولى الجماعات الدينية المتطرفة. كل هذا أدى إلى تضخم هذه الظاهرة، غير أن بورسعيد مازت بتجذر البلطجة الملازمة لعمليات التهريب المنظم وغير المنظم، تلك التى استشرت مع نشوء المنطقة الحرة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، وصارت مرهوبة الجانب من الناسوالشرطة على السواء.
الحلول كثيرة، منها العاجل والآجل، ومنها ما يتصل بجهاز الشرطة وبالمجتمع العام، ومنها أيضًا ما يتعلق بالسياسات العامةوبالسلوك الفردى، وكذلك منها ـ بل فى الصدارة منها ـ ما يتصل بالمؤسسات الاقتصاديةوالمؤسسات التربوية؛ وإذا كانت مؤسستا الأسرة والتعليم تتحملان جوانب من المسئولية الأخلاقية عن شيوع هذه الظاهرة فإن المؤسسة الدينية تتحمل النصيب الأوفر منها، فخطابها شديد التخلف، موال للحاكم فاسدًا كان أو مستبدًا، وبدلاً من أن تصلح عقب ثورتى 25 يناير 2011م. و30 يونيه 2013م. ما بخطابها من عطب، كرست للعنف والانشقاق فى انشغالها بالشأن السياسى.
وباعتبار أن المسألة أمنية بالأساس، أىمتصلة بالخلل البين بجهاز الأمن، لذا سأطرح ها هنا بالإيجاز الذى تفرضه حدود المساحة رؤيتى لاصلاح هذا الخلل.
فى العام (على مستوى الجهاز الأمنى بأسره):
- إعادة بناء هذا الجهاز، مع تغيير فلسفته وعقيدته الاستراتيجية للتتفق ومبادئ ثورتى 52 يناير 2011م. و30 يونيه 2013م.
- العمل على إعادة الثقة بين الشعب والعاملين بالجهاز.
- تغيبر مناهج التعليم والتدريب بكلية الشرطة ومعسكرات المتطوعين والمجندين بما يكفل الفهم الصحيح لشعار الشرطة فى خدمة الشعب.
- تبنى سياسات وآليات لإمداد الجهاز بالعناصر البشرية القادرة على التعامل مع الأوضاع الأمنية باتزان وبغير ما غطرسة واستعلاء.
- إعادة الانضباط داخل الجهاز نفسه.
- إعمال مبدأ الشفافية بإتاحة الفرصة للمنظمات الحقوقية لمراقبة أداءالجهاز.
- التوقف عن سياسة توزيع المجندين الحاصلين على درجة صفر (فى اختبارات معسكرات الانتقاء والتوزيع الثقافية) على قوات الأمن المركزى وشرطة الدرجة الثالثة، وإحلال حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة بدلاً منهم.
- تحسين رواتب العاملين بالجهاز، وظروف عملهم، وتوفير مهمات الأمن والسلامة الشخصيين لهم، وقد شاهدنا إضرابات واعتصامات متعددة قام بها ضباط وجنود رفعت هذهالمطالب.
فى الخاص (على مستوى الجهاز الأمنى بمحافظة بورسعيد):
- اتباع نهج "الدَفـْعَة القوية" تلك التى يكون بمقتضاها ظهور النشاط الأمنى بالمحافظة متكاملاً وشاملاً لكل إداراته وأقسامه وأسلحته. ويتطلب هذا:
ـ الاهتمام بإبراز الزى الشرطى الرسمى فى المحافظة.
- تدعيم نشاط البحث الجنائى ميدانيًا وليس مكتبيًا.
ـ إعادة العمل بنظام نقط التمركز الثابتة فى قلب المحافظة وبأطرافها.
ـ تكثيف الدوريات السيارة وقوات الانتشار السريع فى أنحاء المحافظة.
- تشديد الرقابة على المنافذ البرية وفوق المسطحات المائية (لاسيما بحيرة المنزلة).
ـ الاهتمام بالبلاغات المجهولة، فمواطنون كثيرون يخشوْن انتقام البلطجية.
- رفع الإشغالات التى استفحل أمرها بأرجاء المحافظ رفعًا حقيقيًا وليس رفعًا إعلاميًا، وإعادة الحركة المرورية إلى سابق عهدها.
- السيطرة على تجارة واقتناء وتسيير الدراجات البخارية والسيارات مطموسة ومنزوعة الأرقام التى فاضت بها شوارع المحافظة.
- المداهمات المتكررة لبؤر الإجرام الموزعة على أرجاء المحافظة.
- الانتقال السريع إلى مناطق الأحداث، وتطوير أساليب عمل بوليس النجدة داخل المحافظة، فقد أصبحت موضوعًا للشكوى المتكررة.
- إحكام الرقابة الأمنية على مخارج ومداخل مينائى بورسعيد (الشرقى والغربى)ومرسى اللنش.
- استمرار البحث عن الأسلحة والهاربين من السجون وتنفيذ الأحكام.
- الانحياز إلى الحقيقة التى يطلبها أهالى بورسعيد فى قضية ستاد بورسعيد الرياضى، ومجزرة يوم 26 يناير 2013م.
- عدم التصدى للمتظاهرين أو المعتصمين السلميين وتوفير الحماية لهم.
- التعاون مع اللجان الشعبية فى الأوقات والحالات التى تستدعى هذا التعاون.
وتظل هذه الحلول نظرية إلى أن يتم تطبيقهاعلى أرض الواقع.